يا من لقيت بك الحياة سعيدة بين البشر
أمي ! و هل بعد افتقادك لي أمانٍ تُنتظر؟
قد كان قلبك نابضاً و اليوم ولى واندثر
و غدا سجيناً في التراب مدثراً بين الحفر
أبكي بدمعٍ كالغمام عليك ما طال العمر
أبكي المحبة فيكِ و اللفظ المنمق كالدرر
أبكي الحنانَ فقدته .. من بعد موتكِ ما ظهر
أبكي التقى.. أبكي الصفا .. أبكي صلاتكِ كل فجر
أبكي وربي الزهد فيكِ مع القناعة و الخفر
* ** * ** *
إني نشأتُ على يديكِ بكل طهرٍ مدخر
داعبت أوتاري الحبيبةَ فاستجاب لكِ الوتر
و فؤادكِ الحنانُ عانق مهجتي ... كدهر
و خطرت في روضاتُ عمري كالنسيم .. إذا خطر
ألهَمْتنِي الأفكار في دُنياي ... ما أسمى الفكر
عاشرتني عمري ... بكل فضيلة فيها عبر
و رعيتني منذ الصبا ... و أنا رَعيْتُكِ في الكبر
أودعتني سرَّ الفؤادِ على صفاءٍ مبتكر
قد كنتِ لي أملَ الحياةِ ... و بسمةً لاحت بثغر
أنا ماحَييتُ لغيرِ حبكِ و المحبةُ لي وطر
و مَرضتُ بضعة أشهرٍ بتصلبٍ فيكِ انتشر
و الداءُ هدَّ كيانيكِ القدسيَّ يا ويح القدر
وصف الطبيبُ لكِ الدواء فكنت أطوع من أمر
و غدوت محزوناً كئيباً .. لا ترقُّ لي الفِكَر
و ظللت أسقيكِ الدواء عسى به ... ينأى الخطر
و تصلُّبُ الشريانِ يوهِن في كيانٍ قد ضَمُر
* ** * ** *
في أُخريات العمرِ قد كشف الغطاءُ و ما استتر
هل أنتِ من نسل النَّبي محمدٍ أم مِن عمر
ودّعتني ليلَ الممات ... و قد صدقت لي الخبر!
ما كنتُ أحسبُهُ ودَاعا أو فُراقاً قد هدر
أُماه ! .. قومي حَدِّثيني .. فالفراق اليوم مُر
أُماه ! حسبي سلوَةٌ أن الممات لنا قدر
أُماه ! لن أنسى الضياء على جبينكِ يحتَضِر
و أنا أُنادي و الدموعُ على خدودي تنهمر
تتلَفََتِينَ إلىّ كالمجروح عادَ من السّفر
و النور مشلولُ الضياء .. إذا تجلى .. ينكسر
و إذا البقاءُ أمام عينكِ كالسَّراب المنحدر
و تركتني لليل .. يَروي عَنكِ عُلوى ّ السِّير
لي من رضائكِ بعد موتكِ ما به قلبي ظَفر
قسماً بربي .. قد بدا لي منكِ بعد الموت سر
أنا لن أبُوحَ به مدى عُمري سوى .. لترابِ قبر
دعواتكِ البيضاء .. تجعلُ روضَ عمري يزدهر
إني أشق بها طريق النورِ في عمري الأغـر
و الفتح من ربي أتاني بعدها .. ما من مفر
يا ليتني . أغدو بقربكِ بين طياتِ الحفر
فيكِ الصفاتُ ((حميدةٌُ)) .. منهلةٌ مثل المطر
و العمرُ يا أمي تَولّى .. كيف ولّى ما الخبر؟
و الموتُ موعظةٌ لنا ... بل عبرةٌ لمن اعتبر
وَسَّدتُكِ العينينِ .. و القلبَ المعطَّر و النظر
وسّدتكِ الخفّاقَ .. حُبُّكِ فيه نارٌ تستعر
وَفَرَشْتُ نوَّاراَ على مثواكِ عطريا نضـر
أمي الحبيبةُ قد هويتِ من الغصونِ كمثل زهر
إنسانةٌ ؟ إنسانةٌ ؟ .. إن قلت لا قالوا كفر
أدْعوا لكِ الرحماتِ من ربٍ كريمِ يَغْتَفِر
* ** * ** *