راحة أكبر، ندبات أقلّ، ووقت أقلّ في المستشفى! لا عجب في أنّ الجراحة التي تعتمد على غزو أقلّ للأنسجة، أي الجراحة بالمنظار، أصبحت عصريّة ورائجة. وتُعتمد اليوم في مجالات جديدة بفضل تطوّر المعدّات الطبيّة وكفاءة الجرّاحين.
يصف أهل الاختصاص هذه الجراحات التي تُجرى من دون إحداث شقوق كبيرة بالجراحة بطريقة «ثقب الباب». الصورة معبِّرة جداً، لأنّ الجرّاح يصل إلى داخل الأعضاء من خلال أنبوب صغير تُمَرّر عبره الملاقط وجهاز التصوير. لكن لا داعي للقلق، إذ يرى الجرّاحون جيّداً ما يفعلونه، بما أنّ صورة مكان الجراحة يتضاعَف حجمها قبل نقلها على شاشة فيديو. أدّت هذه التقنيّة إلى تغيير كامل في طريقة العمل، بما أنّ فريق الأطبّاء بات يثبّت نظره على الشاشة لا على المريض!
أصبحت هذه الجراحة قاعدة لمعالجة أمراض نسائيّة (في المبيض) وهضميّة (حويصلات، فتق...) كثيرة. لكن بدأ بعض الروّاد باستعمالها أيضاً في عمليّات أخطر. في ما يلي ثلاثة أمثلة على ذلك:
1- جراحة الدماغ
تُعتبر جراحة الأعصاب بالمنظار طريقة مدهشة بسبب بساطتها الظاهرية، وكونها أسرع من طرق الجراحات الأخرى وأقلّ خطراً منها. تخيّلوا أن الجرّاحين ينجحون اليوم باستئصال ورم من الغدّة النخاميّة من خلال فتحتي الأنف، فينشأ تواصل بين داخل الدماغ (جوف البُطين) وخارجه (السحايا) لاستعادة معدّل الضغط الطبيعي لسائل الأوعية الدماغيّة في حال الإصابة بمرض استسقاء الرأس. كذلك توصّل الجرّاحون اليوم إلى استئصال ورم واقع في تجويف الدماغ من خلال إدخال منظار عبر فتحة صغيرة من خمسة ميلليمترات في النخاع.
2- استئصال الكلى عند الأطفال
كانت جراحة الكِلى سابقاً تمرّ عبر البطن، ما يخلّف ندبات كبيرة تنمو مع الطفل. وكانت الشقوق الكبيرة تتلف عدداً من العضلات والأعصاب، ما يشكّل مصدر ألم كبيراً. اليوم، يُحدث الجرّاحون شقّاً بحجم 1.5 سنتيمتر ويعمدون إلى تجزئة الكلية داخل تجويف الصِّفاق للتمكّن من إخراجها رويداً رويداً. كذلك يمكن تصحيح تشوّهات المجرى البولي بواسطة هذه التقنيّة. إنها عمليّة متطوّرة تتطلّب تصغير الأدوات المستخدمة: يستعمل الجرّاحون ملاقط بقياس ثلاثة ميلليمترات وخيطاناً ذات قطر 0.2 ميلليمتر.
3- وسرطان القولون
تتمّ ربع عمليّات سرطان القولون راهناً، بالمنظار (من دون شقّ البطن). تردد الجرّاحون لوقتٍ طويل في اعتمادها لهذه الغاية، خوفاً من انتشار الخلايا السرطانيّة في جسم المريض. لكن عولِجت هذه المشكلة الآن! يُسحب الورم من خلال «جيب حماية»، ما يمنع أيّ احتكاك بين الأداة المستعملة والبشرة.
أكدّت خمس دراسات دوليّة فاعليّة هذه المقاربة التي تخفّف من صدمة الجراحة: ألم أقلّ، ندبة بحجم 3 سنتيمترات بدل 30 سنتيمتراً، قضاء 13 يوماً في المستشفى بدل 18 يوماً. المنافع واضحة إذاً! إذا ما استثنينا الحالات الطارئة والأورام الضخمة، يمكن تطبيق هذه التقنيّة في المستقبل على 70% من المرضى